Skip to main content


أيها البحر، كنت تدرك ما تقوم به نحونا ،ألم تكن بزرقتك المغرية، وبتمددك المهادن تستدرجنا للعب معك؟ لا تريد أن تكون وحيداً، أنت طفل يسرف في لفت الانتباه باستمرار، تهرب بعيداً كاشفاً ظهرك حتى تمنحنا حرية التوغل لالتقاط القواقع، وعندما تعود لتصافح حواجب الأرض تترك لنا فرصة لملامسة ماءك المالح، ماءك الطري الذي مازال عالقاً بجسدي. أطفالاً تغرينا بصغار أسماكك، بالميد الذي نعد له الكمائن، بسرطانات البحر المراهقة! وأنا طفل لم أكتف بمياهك الضحلة عند الشاطئ مثلما يفعل الأطفال، ولكن توغلت في جسدك ركبت السفينة مع أبي تارة وأخرى مع عمي. شاهدتهم، هؤلاء البحارة وهم يلعبون معك لعبة أخرى، لعبة أشد خطورة، لامست قدماي رمال البينة، والتقطت أصابع كفي زغباً من كتف حالة جسجوس !

اخبرني أيها الأزرق كيف استطعت أن تروّج لشواطئك ؟ كيف استدرجت الناس إلى أهدابك! ودليلي ساحل أبو صبح، ألم تكن أنت من أغرى هؤلاء على زيارتك كل جمعة وكأنهم يبحثون عن ذواتهم التائهة في مياهك؟ لن أنسى ذهابي إليك كل يوم برفقة أصدقائي، صباحاً ومساء، وأحياناً ليلاً ! لن أنسى فرح أيام الجمعة عصراً، حيث تتجدد الحياة بصور متعددة ومتنوعة، صور يفوح منها عطر الحرية وتغزلها سجايا لا تعرف العزلة !

كنت أيها البحر، ولم تبق ! فبعد أن سطت المخالب المغفلة على وجهك وغيرت بجهالة ودون تردد ملامحك الأولى ، هربت أيها الأزرق بكمائنك ، ولم تترك لنا سوى رائحة الذكريات البعيدة !